تولي الإدارة الحالية للهيئة العامة للرقابة المالية أهمية قصوى لتطوير معايير المحاسبة المصرية لمحورية الدور التي تقوم به وذلك اتساقاً مع أفضل المعايير العالمية، بما يمكن الكيانات الاقتصادية العاملة في الأنشطة الإنتاجية المختلفة من أن تعبر قوائمها المالية بشكل سليم عن مركزها المالي ونتائج أعمالها، وذلك استجابة للتطورات الاقتصادية المتسارعة التي تطرأ محلياُ وإقليمياُ وعالمياُ، وما تفرضه من ضغوط وتحديات على الشركات لممارسة أنشطتها وتحقيق مستهدفاتها.
تؤدي معايير المحاسبة المصرية دور هام واستراتيجي عبر مساعدة الشركات في عرض قوائمها المالية بشكل دقيق يعكس قيمتها الحقيقية بشكل يراعي ويتفاعل مع التطورات الاقتصادية ويواكب المعايير العالمية، ويمكن المهتمين من بناء واتخاذ قراراتهم الاقتصادية والاستثمارية على أساس سليم ومنضبط.
إن جوهر عملية تطوير أحكام معايير المحاسبة المصرية يتواكب ويدعم نهج الحكومة المصرية الرامي إلى تعظيم العائد على الأصول وحسن إدارتها انفاذاً لوثيقة سياسة ملكية الدولة التي أقرها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد حوار شمل أطياف المجتمع، استهدافاً لتحديد دور الدولة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بما يؤكد حرص الدولة على تسهيل الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الشركات العالمية على الاستثمار في مصر.
وفي ضوء الاستجابة السريعة من الهيئة العامة للرقابة المالية للتطورات والمتغيرات المختلفة أهمها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية واضطرابات سلاسل الامداد التي أفرزت تصدعات شديدة في بنيان الاقتصاد العالمي، وافقت لجنة معايير المحاسبة المصرية والمشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء على ادخال نموذج إعادة التقييم للأصول الثابتة (معيار رقم10) والأصول غير الملموسة (معيار رقم 23) وأصول التنقيب عن وتقيم الموارد التعدينية (معيار 36) ونموذج القيمة العادلة للاستثمار العقاري(معيار رقم 34)وتعديلاته، والذي مكنت الشركات من إعادة تقدير قيم أصولها لتعكس قيمها العادلة وذلك لتعبر قوائمها المالية بشكل سليم عن المركز المالي ونتائج الأعمال.
تضمنت عملية تطوير معايير المحاسبة المصرية القواعد والنظم التي يتم عن طريقها إعادة تقييم أصول الشركات بأنواعها المختلفة والمعاجلة الانتقالية والافصاحات المطلوبة لتلك المعالجات، كما تضمنت تعديلات معايير المحاسبة المشار اليها إصدار معيار المحاسبة المصري رقم 50 الخاص بعقود التأمين بما يتوافق مع المعايير الدولية، فضلا عن استحداث بعض المعالجات الخاصة بالأشجار المثمرة ليتم اعتبارها ضمن معيار رقم 10 الخاص بالأصول الثابتة بدلاً من معيار 35.
وإنفاذاً لهذه المعايير بالشكل الذي يحقق النفع ليس فقط للشركات بل ولمناخ الاستثمار في مصر ويدعم رؤية الحكومة المصرية لتحسين مناخ الاستثمار، فقد أصدر مجلس إدارة الهيئة قرار يقضي بإنشاء سجل لدى الهيئة يضم المثمنين والمقيمين المتخصصين في الأنشطة المختلفة لتطبيق هذه المعايير، ومباشرتهم لهذه المهام مشروطة بقيدهم في السجلات المشار اليها، وأصدرت الهيئة اشتراطات القيد واستمراره، وهو ما أسفر عنه قيد نحو 8 خبراء حتى الآن.
وكذلك عدة قرارات أخرى تمكن الشركات من التعامل مع آثار التغير في أسعار صرف العملات الأجنبية، وهو ما يمكن الشركات من عرض قوائمها المالية بشكل يعكس حقيقة مركزها المالية ويتضمن التكاليف الحقيقية لتدبيرها للعملة المستخدمة في أنشطتها الإنتاجية.
فلم تقف جهود الهيئة عند هذا الحد، حيث طورت ضوابط قيد مراقبي الحسابات في سجلات الهيئة عبر إضفاء مرونة وتيسيرات تستهدف اجتذاب كفاءات وكوادر مهنية، وكذلك وضع التزامات تتعلق بالتعليم المهني المستمر ومتطلبات البنية التكنولوجية، عبر تقديم ما يفيد حصول كل من مراقب حسابات وفريق العمل على عدد 25 ساعة تدريب كحد أدنى للتعليم المهني في السنة وبما لا يقل عن 120 ساعة تدريب خلال 3 سنوات في مجال المحاسبة والمراجعة أو الموضوعات ذات الصلة، وذلك لضمان جودة أعمال مراقبي الحسابات.
واستكمالاً للسعي المستمر من الهيئة لمواكبة تطورات المعايير العالمية واستجابة للمتغيرات والتطورات، أصدر دولة رئيس مجلس الوزراء قرار رقم 636 لسنة 2024، بتعديل بعض أحكام معايير المحاسبة المصرية، والتي تضمن المعيار رقم بشأن آثار التغيرات في أسعار صرف العملات الأجنبية، والذي يمكن الشركات من استخدام سعر الصرف الذي ينفذ به العمليات التجارية وذلك في حالة عدم استطاعة المنشاة الحصول على العملات الأجنبية طالما مثبتة دفترياً، حيث ترك المعيار للمنشأة أن تختار السعر الملحوظ للعملة لاستخدامه في تقييم ارصدتها ذات الطبيعة النقدية في نهاية الفترة المالية، وهو ما يضمن سلامة تعبير القوائم المالية عن المركز المالي ونتائج الأعمال، وكذلك (معيار 17) بشأن القوائم المستقلة، وتعديلات على (معيار 34) بشأن الاستثمار العقاري، لمواكبة المعايير العالمية.
فيما أصدر دولة رئيس مجلس الوزراء قرار يقضي بإضافة تفسير محاسبي وذلك لأول مرة في تاريخ مصر والمنطقة، والذي ينظم المعالجة المحاسبية لشهادات خفض الانبعاثات الكربونية، والذي حدد نطاق المعالجة المحاسبية والإجراءات التي يجب على الإدارة اتخاذها عند تحديد المعالجة المحاسبية المناسبة، والتي تتضمن فهم سليم لدورة إصدار شهادات الكربون وطبيعة الترتيب والغرض التجاري من إصدار أو شراء الشهادة وكذلك تحديد تصنيف الشهادة المحتفظ بها كأصل مالي أو كأصل غير ملموس وفقاً للترتيب والغرض التجاري.
جدير بالذكر أن التفسير المحاسبي الجديد، قد نظم محددات المعالجة المحاسبية وفق حالات مختلفة، حالة إصدار الشهادة لصالح مطور مشروع الخفض المالك له، أو إصدارها لصالح مطور أو ممول المشروع ولكنه ليس المالك، أو حالة شراء شهادة الكربون بهدف استخدامها لتحقيق التبادل الكربوني وذلك عبر الغائها، والحالة الأخيرة في حالة شراء شهادة الخفض بهدف المتاجرة فيها.
Last modified: مارس 17, 2024