كلمه رئيس الهيئة

 فى حُقبة تزخر بالتحديات الاقتصادية والسياسية على المستوي المحلي والإقليمي والدولي، بدأ الاقتصاد المصري مرحلة جديدة فى تاريخه حيث تسعى الدولة جاهدة للقيام بإصلاحات جريئة لتحقيق أهداف طموحة لطالما تطلعنا جميعاً بإخلاص لتحقيقها. وفي خضم تلك الظروف كان من الضروري وجود رؤية مستقبلية من خلال إعداد استراتيجية قومية طموحة تتواكب وتتكامل مع الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي تمت خلال الفترة القريبة الماضية وبما يساهم  في تعزيز الدور المنوط للقطاع المالي غير المصرفي القيام به. كل ذلك إنطلاقاً من إيماناً بالدور المحوري الذي يمكن لهذا القطاع أن يلعبه في دعم خطط الإصلاح والتطوير والتنمية الاقتصادية المستدامة، مستهدفين الارتقاء بمناخ الاستثمارالذي يرتبط ارتباطاً طردياً بكفاءة القطاع المالي ودرجة تطوره، وكذلك دوره في تعميق وتحقيق الشمول المالي وتسهيل النفاذ إلى التمويل حيث يمثل كل ذلك لُب عمل القطاع المالي غير المصرفي فى مصر.

إن الظروف الاقتصادية الراهنة تتطلب حلولاً غير تقليدية وابتكارية لتقديم أدوات جديدة وعصرية تناسب الاحتياجات التمويلية المختلفة لدعم النمو وزيادة الاستثمارات والتوظيف، وهو ما يدعم رؤيتنا فى الإستفادة من إمكانيات القطاع الهائلة في تحسين معدلات الإدخار وتوجيهها لفئات وقطاعات غير قادرة على النفاذ إلى الأشكال الأخري من التمويل.

لقد بُذلت جهود كثيرة في تطوير قطاع الخدمات المالية غير المصرفية خلال السنوات الأخيرة وكان لها أثر لا يمكن إنكاره، ولكن مع التطورات والأحداث المتلاحقة وتسارع معدلات تطور مجتمعات الأعمال واحتياجاتها لحلول مالية ابتكارية فإن الحاجة أصبحت مُلحة وضرورية لخلق إطار مؤسسي واضح لإدارة وقيادة عملية الهيكلة و التطوير والتخطيط الاستراتيجي لتعزيز دور أسواق القطاع المالي غير المصرفي لتحقيق الأهداف الموضوعة وضمان إستمرارية المتابعة والتنفيذ، ومن هنا جاءت أهمية إطلاق استراتيجية قومية موحدة لتطوير القطاع المالي غير المصرفي.

وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إجراء إصلاحات هيكلية وتشريعية للقطاع بما يساهم في تعزيز قدرة الفئات الفقيرة على تحسين جوانب الحياة مثل الحصول على التعليم والرعاية الصحية وتطوير رأس المال البشري بصفة عامة، وبما يسمح بدور أكبر لرواد الأعمال وزيادة مشاركة المشروعات الصغير والمتوسطة في النمو الاقتصادي.

كما نسعى من خلال هذه الاستراتيجية القومية إلى تغيير مفهوم القطاع المالي غير المصرفي من قطاع تسيطر عليه لغة الأرقام والمؤشرات إلى قطاع كفء وعصري وأكثر ديناميكية و يتجاوب مع خطط التنمية بمرونه أكبر ، من قطاع يُركز على النمو إلى قطاع يركز على التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، من قطاع تستحوذ على جل خدماته الكيانات الكبيرة إلى قطاع احتوائي يشمل كافة الكيانات ويدعم أكثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يجعلها المحفز الرئيسي للإنتاج والتشغيل وبما تشمله من كافة فئات المجتمع لتحقيق الشمول المالي والوصول إلى الفئات المهمشة والفقيرة.

نسعى لخلق قطاع مالي غير مصرفي يؤمن بالمساواة وعدم التمييز بين الجنسين ويساعد على تمكين المرأة،،،، من قطاع تقليدي إلى قطاع عصري يرتكز على التكنولوجيا والإبداع والابتكار يتطور مع كل حديث لا يخشي المنافسة ولا ينغلق على الذات بل ينفتح على العالم الخارجي بثبات واستقرار ورغبة أكيدة فى مواكبة التطوير.

طموحنا أن نصل إلى قطاع يؤمن ويطبق قواعد الإدارة الرشيدة والحوكمة  وبما يُحسن من مستويات الشفافية والنزاهة، ويعمل على تقويض ومحاصرة أدوات وأساليب الفساد.

إن التحديات التى تواجه صناعة الخدمات المالية غير المصرفية قد تكون فرصة حقيقية لإطلاق طاقات القطاع من خلال تشجيع الابتكار والإبداع والمنافسة وإيجاد الطرق السليمة للإندماج في المنظومة المالية العالمية وبما يحافظ على الاستقرار المالي للإقتصاد الوطني في ذات الوقت.

لقد لجأت العديد من الدول لإطلاق استراتيجيات مماثلة للقطاع المالي غير المصرفي وكان لها أثر كبير فى تطوير القطاع ومساعدته على المشاركة بفاعلية أكبر فى خطط التنمية المستدامة والنفاذ إلى التمويل وتحقيق عدالة أكبر في توزيع الدخل. لذا فأن التأخر فى وجود استراتيجية قومية لهذا القطاع الهام أو عدم دعمها بالشكل الكافي إنما يمثل تهديداً حقيقياً لتحقيق الأهداف المرجوة من الإصلاحات الاقتصادية والإجراءات الهيكلية التي تم تنفيذها مؤخرا ولتنافسية الاقتصاد المصري.

نسعى بجد وإخلاص ومن خلال الإستراتيجية القومية لرسم خارطة طريق للقطاع المالي غير المصرفي خلال السنوات الأربع القادمة 2018-2022، بأهداف طموحة ولكن واقعية لا تغفل فى الوقت ذاته أهمية الحفاظ على استقرار وسلامة القطاع المالي وحماية حقوق المتعاملين، من خلال تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:

1. خلق نظام مالي غير مصرفي إحتوائي و محفز للنمو الاقتصادي.

2. تحسين معدلات الشمول المالي والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.

3. المساهمة في تحسين تنافسية الاقتصاد القومي وجاذبيته للاستثمارات الإجنبية.

4. تقوية الإطار التشريعي للقطاع المالي غير المصرفي.

5. تحسين مستويات الحوكمة والإدارة الرشيدة وتقوية الإطار المؤسسي للقطاع.

6. تحسين مستويات الشفافية و مكافحة الفساد.

7. تطوير الأسواق المالية وابتكار حلول وخدمات مالية غير تقليدية.

8. تحقيق المزيد من الانفتاح للقطاع المالي غير المصرفي على الاقتصاد العالمي.

9. تحقيق إدارة أفضل للمخاطر المتعلقة بسلامة واستقرار النظام المالي.

10. رفع مستويات التوعية والثقافة المالية.

نؤمن بأن السنوات الأربع القادمة تمثل نقطة انطلاق حقيقية للقطاع المالي غير المصرفي وللاقتصاد ككل إذا أحُسن استغلالها في تطوير وتنفيذ  تلك الاستراتيجية القومية. وعلينا أن ندرك أن التحديات والتطورات المتلاحقة فى القطاع المالي فى الآونة الأخيرة على المستوي العالمي يجب أن تكون محل اهتمام من جانبنا ليس للمقاومة ولكن للاستيعاب والدمج فى منظومة رسمية آمنة تحفظ حقوق كافة الأطراف.

وفى النهاية فإن الهيئة العامة للرقابة المالية تتوجه بالشكر لكل من ساهم في إعداد تلك الاستراتيجية سواء من داخل الهيئة أو خارجها، وعلى وجه الخصوص د. حاتم البنا، د. محمد عمران، الأستاذ/ عبد الحميد إبراهيم، د. سحر نصر، الأستاذ/ هشام رمضان، الأستاذ/ سعيد عرفة، الأستاذ/ عادل خشبه، الأستاذ/ أحمد السيد، والمتدربه/ مها رشيد، والإدارات والقطاعات المختلفة داخل الهيئة كل في تخصصه وبصفة خاصة إدارة السياسات والبحوث وفريق العمل من الباحثين من داخل الهيئة ومعهد الخدمات المالية غير المصرفية. 

وترحب وتسعد بأى جهد مخلص يضيف إلى الاستراتيجية ويكملها ونؤمن أن العمل الجماعي هو أفضل الوسائل لتحقيق الأهداف المنشودة.

 

رئيس مجلس إدارة

الهيئة العامة للرقابة المالية

د.محمد عمران

 

Last modified: أغسطس 11, 2022
Close